آثار غربيّ بعلبك: تاريخ عظيم يبحث عن مستقبل سياحي واعد

DSC00290
من عمق التاريخ، تطل أوابد ما استطاعت صروف الدهر أن تأخذ رونقها، أو تمحو ذكرها.
صروح تحدت الزلازل والنوازل، كما تحدت الإهمال والتخريب، لتبقى شاهدة على عراقة منطقة غربيّ بعلبك، ودليلاً على انغراسها في عمق الزمن، حضارةً وتاريخاً.
معابد وقلاع، تدل على أن هذه المنطقة مسكونة، طيّبة العيش، مقصد للراغبين بأن يحيوا حياة طيبة على مدى الأيام.
من نواويس شمسطار المحفورة في الصخر، إلى عين الدير في تمنين التحتا، ومن القصر التاريخي في حوش سنيد، إلى المزارات التي لا تغيب عن كل بلدة وقرية، مسيرة عمر، وقصة ترويها الأجيال.
وبين هذه الآثار التاريخية، تطل ثلاث علامات، لا يمكن إلا التوقف عندها، والحديث عنها بالتفصيل، فهي ـ إن وجدت من يعتني بها ـ يمكن أن تكون ملجأً لكل من يبحث عن علامات التاريخ، ليرسم واقعاً جديداً للمنطقة، يكون أساساً لمستقبل سياحي واعد فيها.
قلعة قصرنبا
اشتق اسم بلدة قصرنبا من قصر نابو، كما جاء في معجم اسماء المدن والقرى اللبنانية، وهو اسم صنم وإله اشوري قديم ومدون على حجر في قلعة آثار البلدة، ونبا اسم علم شائع في لبنان وهو من بقايا الاسماء الفينيقية، ومعنى الجذر: سما ودعا.
قصرنبا بلدة مصنفة سياحية من قبل وزارة السياحة، ففيها معبد روماني كبير لعله الثاني في البقاع وربما في لبنان بعد قلعة بعلبك من حيث اتساعه وطريقة بنائه وضخامة حجارته وأسلوب هندسته وشكل تماثيله وأعمدته وتيجانها.
هذا المعبد مكون من عدة طبقات ولم يكشف الا عن الطبقة الأعلى منه، وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن معالم هذا المعبد تمتد لتشمل البلدة بأسرها.
بُني معبد قصرنبا على دكة ما تزال معالمها ظاهرة، يتم الصعود إليها عبر درج عمائري يفضي إلى رواق أمامي يتألف من أربعة أعمدة ودعامتين. وما زالت آثار مواقع الاعمدة ظاهرة. ويفضي الرواق الأمامي إلى صحن المعبد الذي يؤدي عبر درج إلى قدس الأقداس الذي يقع تحته سرداب كان معداً لحفظ الأواني والمتاع الطقسي.
إضافة إلى المعبد الروماني هناك ما يعرف بـ “المقطع” المعروف باسم “تونيانوس”، وهو عبارة عن مقلع للحجارة التي بُنيت الآثار بها، والمدهش هو كيفية نقل الحجارة منه إلى المعبد.
جب الحبش
إنه معبد (جب الحبش) الروماني في بلدة تمنين الفوقا البقاعية.. التي تقع في بطن وادٍ على السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية
يقع المعبد بجوار نبع ماء هو الذي أعطاه اسمه ، وهو عبارة عن بناء ضخم. وعلى ضخامته إلا أنه لا يتعدى كونه غرفة واحدة مستطيلة مبنية من الحجارة الضخمة وسقفها معقود بشكل نصف دائري من الحجر الكلسي الصلب. بعد ارتقاء بضع درجات، على جانبيها قاعدتان لعمودين ضخمين تم ترميمهما منذ وقت قصير، يصبح الزائر داخل المعبد  مجتازاً البوابة الوحيدة الكبيرة.
أرض المعبد من الحجر الأملس الصلب، وفيها فتحة لا يتعدى اتساعها السبعين سنتيمتراً، وهي بعمق حوالي الأربعة أمتار كانت عبارة عن بئر تتغذى من مياه الينابع الجوفية فإذا ما امتلأت البئر تدفقت مياهها عبر قناة داخل المعبد محفورة في الصخر على شكل قناة لتصب حول النبع (جب الحبش) في مسيل مياه غزير قبل سنين الجفاف.
مياه هذا الجب، وأيام الخير، تقطع بلدتي تمنين الفوقا وتمنين التحتا لتصب في نهر الليطاني ..
أما خارج المعبد فتنتشر أنصاف الأعمدة ومنحوتات في الصخر وتيجان مزخرفة ربما كانت رؤوس أعمدة.
وقد طال هذا المعلم التاريخي الكثير من التخريب وعدم الاهتمام إلى وقت قريب، حيث يتم العمل بالتعاون مع هيئة الآثار في وزارة السياحة على ترميم ما أمكن للحفاظ عليه .
والجدير بالذكر أنه يحيط بهذا المكان الاثري محمية صغيرة من السرو والشربين تضفي على المكان روعة ورونقاً وتزيد من روعته ورهبته.
حوش باي
أقدم الآثار الرومانية في بعلبك ـــ الهرمل يمكن أن يعثر عليها الباحث في التاريخ في حوش باي، الموقع الأثري الذي يحوي بين ثناياه القنطرة التي تتموضع في الجنوب الشرقي لبلدة طاريا، وتمثل حتى اليوم نموذجاً، وأكبر الموارد المائية في المنطقة، لاحتوائها على خمسة ينابيع عذبة.
الكثير من المؤرخين أتوا على ذكر القنطرة، فأشار المؤرخ اللبناني عيسى اسكندر المعلوف إلى أن الرومان بنوا القنطرة المقبّبة من جملة ما بنوه في عام 60 قبل الميلاد. ويقول المعلوف إنّ الأب جوليان اليسوعي ذكر في كتابه (بعلبك وآثارها) أن “حوش باي قرية صغيرة بين شمسطار التابعة للبنان، وكفردبش التابعة لبعلبك في منطقة قرب تلة باسمها، وفيها أطلال قلعة قد سقطت أعمدتها القنينية الشكل ونقلت حجارتها، وهناك آثار حمامات. ومن هذه الأطلال، قنطرة ضخمة من الحجارة ينبجس منها ينبوع غزير المياه يسقي أراضيها وما يجاورها، وهي الآن تابعة لقرية طاريا قرب شمسطار، وعلى هذه القنطرة كتابة رومانية  تعريبها: “للمشتري الصالح جداً والعظيم جداً الهيليوبولي كوينتوس بربيوس روفوس”.
وجد المعلوف في أطلال حوش باي حجراً رُسم عليه رأس ناتئ وحوله كتابات رومانية ظاهرة، فعمد من بعدها المعلوف إلى إرسال الكتابة إلى الأب سيبستيان رونزفال اليسوعي، والذي رد عليه أن هذه “الكتابة لاتينية وهي تعني: “نذر قيوس بن الفلان لأجل سلامته وسلامة زوجته وبنيه”. وتتحدث مصادر عدة عن أن حوش باي كانت مسبحاً لزوجة حاكم بعلبك الروماني.
إنه التاريخ إذاً، ترتسم حروفه على صفحات هذه المنطقة الغنية بآثارها، العظيمة بأهلها، والغارقة في حرمان يتطلب جهود الجميع للقضاء عليه، والنهوض إلى مستقبل سياحي يعوّل عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *